سورة الشعراء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} ألا يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. {قَالَ} يعني موسى، {رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} {وَيَضِيقُ صَدْرِي} من تكذيبهم إياي، {وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} قال: هذا للعقدة التي كانت على لسانه، قرأ يعقوب {ويضيق}، {ولا ينطلق} بنصب القافين على معنى وأن يضيق، وقرأ العامة برفعهما ردًا على قوله: {إني أخاف}، {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة.
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي: دعوى ذنب، وهو قتله القبطي، {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} أي: يقتلونني به. {قَالَ} الله تعالى، {كَلا} أي: لن يقتلوك، {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} سامعون ما يقولون، ذكر {معكم} بلفظ الجمع، وهما اثنان، أجراهما مجرى الجماعة. وقيل: أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون. {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يقل: رسولا رب العالمين، لأنه أراد الرسالة، أي: أنا ذو رسالة رب العالمين، كما قال كُثَيِّر:
لقد كَذَبَ الوَاشُونَ مَا بُحْثُ عِندَهُم *** بسرٍ ولا أَرْسَلْتُهُمْ برسُولِ
أي: بالرسالة، وقال أبو عبيدة: يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب: هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي، كما قال الله تعالى: {وهم لكم عدو} [الكهف- 50]، وقيل: معناه كل واحد منا رسول رب العالمين {أَنْ أَرْسِلْ} أي: بأن أرسل، {مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} إلى فلسطين، ولا تستعبدهم، وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفا، فانطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك.
وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصا، والمِكْتَلُ معلَّق في رأس العصا، وفيه زاده، فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حين تدعوَ فرعون إلى الله، فخرجت أمهما وصاحت وقالت: إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنع موسى لقولها، وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودقَّا الباب، ففزع البوَّابون وقال من بالباب؟ وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما؟ فقال موسى: أنا رسول رب العالمين، فذهب البواب إلى فرعون وقال: إنَّ مجنونًا بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين، فترك حتى أصبح، ثم دعاهما. وروى أنهما انطلقا جميعًا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البواب فقال لفرعون: هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال فرعون: ائذن له لعلنا نضحك منه، فدخلا عليه وأدَّيا رسالة الله عز وجل، فعرف فرعون موسى؛ لأنه نشأ في بيته.


{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} صبيًا، {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} وهو ثلاثون سنة. {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} يعني: قتل القبطي، {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} قال الحسن والسدي: يعني وأنت من الكافرين بإلهك وكنت على ديننا هذا الذي تعيبه. وقال أكثر المفسرين: معنى قوله: {وأنت من الكافرين}، أي: من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفسًا، وكفرت بنعمتنا. وهذا رواية العوفي عن ابن عباس، وقال: إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية. {قَالَ} موسى، {فَعَلْتُهَا إِذًا} أي: فعلت ما فعلت حينئذ، {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: من الجاهلين، أي لم يأتني من الله شيء. وقيل: من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله. وقيل: من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد. وقيل: من المخطئين.


{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} إلى مدين، {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} يعني النبوة، وقال مقاتل: يعني العلم والفهم، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} اختلفوا في تأويلها: فحملها بعضهم على الإقرار وبعضهم على الإنكار. فمن قال هو إقرار، قال عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه، ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل مجازه: بلى وتلك نعمة علي أن عبدت بني إسرائيل، وتركتني فلم تستعبدني. ومن قال: هو إنكار قال قوله: {وتلك نعمة} هو على طريق الاستفهام، أي: أو تلك نعمة؟ حذف ألف الاستفهام، كقوله: {أفهم الخالدون} [الأنبياء- 34]؟ قال الشاعر:
تَرُوحُ من الحيِّ أو تَبْتَكِرْ *** وماذا يَضُرُّكَ لو تَنْتَظِرْ؟
أي: أتروح من الحي؟ قال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة:
لَمْ أَنْسَ يومَ الرَّحِيلِ وِفقَتَها *** وَطرْفُها في دموعِها غَرِقُ
وقولُها والركابُ واقفةٌ *** تَتْرُكنِي هكذا وتَنْطَلِقُ؟
أي: أتتركني، يقول: تَمُنُّ عليَّ أن ربَّيتني، وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة؟. أو يريد: كيف تمنَّ عليَّ بالتربية وقد استعبدت قومي، ومن أهين قومه ذُلّ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليَّ. وقيل معناه تمن علي بالتربية. وقوله: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم، دُفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهلي من يربيني ولم يلقوني في اليم، فأي نعمة لك علي؟ قوله: {عَبَّدْتَ} أي: اتخذتهم عبيدًا، يقال: عبَّدتُ فلانًا، وأعبدته، وتعبدته، واستعبدته، أي: اتخذته عبدًا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8